تافراوت
قع بلدة تافروات على بُعد حوالي 100 كلم شرق مدينة تزنيت، وتحتلُّ موقعا جغرافيا فريدا في قلب سلسلة جبال الأطلس الصغير. وبقربها من عدد من المداشر والدواوير، التي تُحيط بها من كل الجوانب، تستهوي هذه المنطقة الزائر لما توفّره من فرص زيارة هذه القرى المجاورة، الغنية بالمعالم التاريخية كالقصبة، والبيوت التقليدية، والنقوش الصخرية القديمة، والهندسة المعمارية الأمازيغية، ونظم الري القديمة، وغيرها، فضلا عن اكتشاف مختلف التقاليد الأصيلة للساكنة المحلية.
لم يمنع تموقع المنطقة في عمق الهامش بالجنوب المغربي من إنتاج نُخب في عالم الثقافة والتجارة والسياسة والأعمال، إذ صنع أبناء تحدروا من مختلف مناطق تافراوت التألق في كل هذه المجالات، فلعبوا أدوارا أساسية في كثير من مناحي التدبير التجاري والسياسي عبر مختلف المراحل، فظفرت بذلك بصفة المشتل المُنتج لكبار النخب في عوالم التجارة والسياسة والثقافة.
وتُعدّ منطقة تافراوت نقطة جذب سياحية، ووجهة مُفضلة للمغاربة وللعديد من الجنسيات الأجنبية، لما تزخر بها من مناظر طبيعية لم تمتد إليها بعد يد الإنسان، واحتضانها مآثر عمرانية قلّ نظيرها، زيادة على صخور منقوشة من مختلف الأحجام والأشكال تُثير الناظرين. كما تُتاح للزائر إمكانية الوقوف عن كثب على العادات المختلفة، كالمحادثة العلنية بين الشبان والشابات المعروفة محليا بـ"الصقر"، والرقصات النسائية والرجالية، وأشكال الزي التقليدي التافراوتي، وغير ذلك.
وإذا كان للمنطقة كل هذا الوهج، الذي استفادت منه بفعل موقعها الجغرافي وطبيعتها التضاريسية، ومساهمة أبنائها في زيادة إشعاعها، حيث اتخذت بفعل ذلك تسميات مجازية كـ"بلدة الوزراء"، و"أميرة الأطلس الصغير"، و"بلدة الجمال"، وغيرها، فإن ما يشهده مركز تافراوت، بين الفينة والأخرى، من انقطاعات متكررة في الماء الشروب، لا سيما في فترات تشهد فيها المنطقة توافدا كبيرا لأبنائها المغتربين أو للزوار، أعاد تجاوز المحن مع الماء الشروب إلى الواجهة في الآونة الأخيرة.
وشهدت منطقة تافراوت بمركزها فترات عصيبة بسبب توالي انقطاع هذه المادة الحيوية، جزئيا أو كليا، فكان الماء في تلك المراحل عملة نادرة، وبضاعة مفقودة، وسلعة غالية، لم تنفع معها شهرة المنطقة، ولا نفوذ نخبتها، مما مهّد لوضع اللبنة الأولى لمشروع تزويد تافراوت بالماء الصالح للشرب، الممول من طرف المكتب الوطني للماء الصالح للشرب والتعاون الياباني، غير أن الظروف المناخية عادت، كعدد من مناطق المغرب، لتعمّق جراح أهل تافراوت مع الماء الشروب.
الفاعل الجمعوي محمد عبايد، قال في تصريح لهسبريس، إن الفرشة المائية أضحت محدودة بمنطقة أملن، التي تتزود منها الدواوير المجاورة ومركز تافراوت بالماء، "ومع زيادة الضغط على الاستهلاك، تتوقف عملية التزويد، ويضطر المكتب المزود إلى تنزيل حلول، ضمنها تزويد الأحياء المجاورة للمركز بالتناوب، ورغم إنجاز عدد من الثقوب الاستكشافية، غير أنها لم تفلح في ذلك بسبب الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، ونقترح هنا إنجاز سدود تلية لتجميع المياه، لاستغلالها في الشرب، لتفادي الأزمات المتواصلة في هذا الجانب الحيوي".
أما إبراهيم الشهيد، نائب رئيس المجلس الجماعي لتافروات، فقد اعتبر أن أزمة الماء، التي تعانيها الساكنة المحلية بين الفينة والأخرى، "دفعت المجلس منذ الولاية السابقة إلى التدخل الاستباقي لتفادي تكرار الأمر، وتم في هذا الخصوص، منذ سنة 2015، تقديم طلب إلى المكتب الوطني للماء الصالح للشرب من أجل البحث عن سبل لتوفير مخزون مائي كاف، يُجنب المنطقة أزماتها المتوالية مع الماء، وهو ما استجابت له المصالح المعنية، لكن مساطر إدارية أبطأت عملية إتمام مشروع الربط انطلاقا من بئر بجماعة أملن".
وأضاف المتحدّث ذاته أن "الاستهلاك والطلب المتزايد على الماء في منطقة تافراوت، لاسيما في بعض الفترات من السنة، بالإضافة إلى محدودية عملية تواصل المكتب المعني مع الساكنة بخصوص إعلانات انقطاع الماء عن الأحياء والدواوير المجاورة لتافراوت، خلق سجالا ودفع الساكنة إلى إعلان غضبها غير ما مرّة، وهو ما تتفاعل معه المصالح الجماعية بمسؤولية، عبر مراسلات عديدة إلى مختلف المصالح الإقليمية والجهوية والمركزية، في إطار سعيها الاستباقي لإيجاد حل جذري لهذه الأزمة".
وعن الحلول المقترحة في هذا الشأن، أضاف المسؤول الجماعي أن "ما تعيشه تافراوت يفرض تبني حلول مستدامة، ضمنها التزويد بالماء انطلاقا من سد يوسف ابن تاشفين أو سد أولوز، وهو المطلب الملحّ اليوم، الذي رفع بشأنه المجلس الجماعي ملتمسا إلى الجهات المسؤولة، ليُأخذ بعين الاعتبار ضمن الدراسات المنجزة لتزويد منطقة إغرم بتارودانت بالماء انطلاقا من سد أولوز، تافراوت والجماعات المجاورة كمرحلة ثانية في هذا المشروع، وبالتالي تجاوز مرحلي للأزمة التي تُخيّم على المنطقة".
أزمة الماء بمناطق تافراوت، وإن كانت لم تصل إلى أزمة العطش، التي تعيشها بعض الربوع من المغرب، تنتظر الإفراج عن الحلول المقترحة، في انتظار تعميم التزويد بالماء انطلاقا من محطة تحلية البحر المزمع إحداثها في ضواحي اشتوكة آيت باها، والتي من شأنها فك العزلة "المائية" عن عدد من مناطق سوس.